الأربعاء، 23 ديسمبر 2015

الشريط السادس تفريغ شرح القواعد المثلى - تابع الفصل الرابع



الشريط السادس
تابع الفصل الرابع :شبهات والجواب عنها
المتن
المثال الخامس، والسادس: قوله - تعالى - في سورة الحديد "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم"الحديد 4. وقوله في سورة المجادَِلة "وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا"المجادَِلة 7.
الشرح
يقول الله تعالى"هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "الحديد4
فقال أهلُ التأويل:إن ظاهر الآية؛ أنَّ اللهَ معنا بذاته وأنتم تقولون:إنَّ اللهَ معنا بعلمه فأخرجتم الآية عن ظاهرها وأوَّلتموها ؛وهذا حُجة ٌعليكم لنا في تأويلنا ؛لأنكم قلتم إنه معنا بعلمه لأن معنا بذاته لايمكن أن يكون معنا بذاته حالّاً في الأرض وفي كل مكان نقعُ فيه.كذلك في قوله في سورة المجادلة"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "المجادلة7." قالوا:فقوله"إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا"ظاهره أنه معهم في أمكنتهم؛ وأنتم ياأهل السُنة تقولون أنه معهم بعلمه وليس بذاته؛ فأخرجتم الآية عن ظاهرها.فكيف تُخرجون ماشِئتم من النصوص عن ظاهرهِ؛ ثم تُنكرون علينا ما أخرجناهُ من النصوص عن ظاهره؟وهل هذا إلاصيدٌ منكم.فإما أن توافقونا على ما أوَّلناه وإما أن تسكتوا عنا على الأقل. طيب إذًا وجه كون ذلك مما لبَّسَ به أهلُ التعطيل؛ أنهم يقولون إن ظاهرَ الآيتين أنه معنا بذاته في نفس المكان وأنتم أخرجتموهما عن هذا الظاهر إلى أنه معنا بعلمه وأن الذي معنا علمُهُ لانَفْسُهُ فهذا إخراجٌ للآية عن ظاهرِها واضح الآن؟ فالجواب:
المتن
والجواب: أن الكلام في هاتين الآيتين حق على حقيقته وظاهره. ولكن ما حقيقته وظاهره؟
الشرح
نقول لهم:نحنُ لم نُخْرجْ الآيتين عن ظاهرهما؛ ولا أخرجناهما عن حقيقتهما ؛ونقول إن الله- سبحانه وتعالى- معنا على مايقتضيه ظاهرُاللفظِ ؛ولكن نختلف معكم في ظاهراللفظ.فأنتم تقولون:إن ظاهره أنه مع خلقه معية ً تقتضي أنه مختلِط ٌبهم وحالٌّ في أمكنتهم.هذه دعوى مَنْ؟ دعوى أهلِ التعطيل؛ يقولون إن ظاهر الآيتين أنَّ اللهَ-سبحانه وتعالى- معنا مختلط ٌبنا حالٌ في أمكنتنا كما تقول فلان مع فلان؛ أين يكون فلان؟ في نفس المكان.إذن فظاهر الآيتين الكريمتين أنَّ اللهَ معنا في نفس المكان.يقولون هذا هوالظاهر.نحنُ نقولُ لهم:ليس هذاهو الظاهرليس هذا هو ظاهرُ الآيتين أبداً.ولهذا نقول:
المتن
هل يقال: إن ظاهره وحقيقته أن الله - تعالى - مع خلقه معية تقتضي أن يكون مختلطًا بهم، أو حالاً في أمكنتهم؟
أو يقال: إن ظاهره وحقيقته أن الله - تعالى - مع خلقه معية تقتضي أن يكون محيطًا بهم: علمًا وقدرة، وسمعًا وبصرًا، وتدبيرًا، وسلطانًا، وغير ذلك من معاني ربوبيته مع علوه على عرشه فوق جميع خلقه؟
الشرح
أيُّ القولينِ يُقال في الآية؟ الثاني قطعًا؛ لأن الله- سبحانه وتعالى-في نفس الآية في سورة الحديد"وَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" وأين العرش؟ في العلو فوق كل المخلوقات"يعلمُ مايلجُ في الأرض ومايخرجُ منها وما ينزلُ من السماء وهومعكم أينَ ماكنتم"لوقلنا معنا في مكاننا لكان الآية ُيُناقض آخرها أولها لأن أولها يقول"استوى على العرش"وآخرها يقول "وهومعكم"فلوقلنا إنه معنا بذاته في الأرض تناقضت الآية وصار آخرها مُناقضًا لأولها". لكننا نقول الآية تدلُ على أن اللهَ معنا وإن كان في السماء مستوى على العرش ولامانع من أن يكون معنا وهو مستوٍ على العرش لأن معية الله-سبحانه وتعالى- ليست كمعية المخلوق للمخلوق بل هي معية ٌتليقُ بجلاله-سبحانه وتعالى - لاتشبه أو لاتُماثل معية المخلوق للمخلوق.كما أن علمَه ليس كعلم المخلوق وقدرَتَه ليست كقدرةِ المخلوق فكذلك معيته ليست كمعيةِ المخلوق فجائز أن يكون معنا حقيقة هو نفسه وهوفي السماء ولامانع من ذلك لأن اللهَ مُحيط ٌبكل شيءٍ ولايُمكن أبداً أن تصفَ اللهَ تعالى أو تظن أن صفات الله كصفات المخلوق.ألم تعلم أن الله يقول لكلِ مُصلٍ إذا قال"الحمدُ للهِ ربِ العالمين"قال:حمدني عبدي وإذا قال"الرحمن الرحيم"قال:أثنى علي عبدي وإذا قال"مالكِ يوم الدين"قال:مجدني عبدي وإذا قال"إياكَ نعبدُ وإياكَ نستعين"قال:هذا بيني وبين عبدي نصفين..إلى آخر الحديث.كم مِن مُصلٍ في العالم يقول هذه الكلمة وصاحبُه يقولها في نفس اللحظة؟ نعم كثير ولنفرض أننا في الحرم المكي كم يُقدر الذين في الحرم ؟يصلون خمسة عشرة الف ؛ في الحج أو العمرة؟المهم إذا امتلأ الحرم والأرواق اللي فيه يمكن تبلغ خمسة عشرة ألف كلهم يقولون"الحمدُ للهِ ربِ العالمين"وكلهم يُقالُ لهم:حمدني عبدي.هل يمكن أن يُتصور أن يقع هذا من مخلوق؟لو كان كل واحد يتكلم كل اللي يُخاطبونا؟ يقدر يكلم اللي يُخاطبونا كلهم في لحظة واحدة؟ مايقدر.فصفات الله-سبحانه وتعالى-لايمكن أن تُقاس بصفات المخلوقين أبدًا.فإذا قلنا:إن اللهَ معنا  هونفسه وهوفي السماء فلا مانع ؛بل هذا هو الواجب وذلك لدلالة الكتاب والسُنة عليه.هذه المعية ما تقتضي أن يكون معنا مُختلِطًا فينا؛ أو حالّاً في أمكنتنا ؛كما يقوله حلولية الجهمية. حلولية الجهمية أخطئوا في فهم الآية حيث ظنوا أنه معنا مختلطًا بنا حتى أنهم يقولون:إنه مختلط ٌفي الإنسان وفي الحمار وفي البهيمة في كل شيء وحالٌّ في أمكنتنا وهذا ولاشكٌ إنه كفرٌ على كل حال نقول ليس معنى الآية كما زعم هؤلاء أنه مختلط ٌبالخلق وأنه حالٌ بأمكنتهم بل إنه- سبحانه وتعالى- معهم معية حقيقية تقتضي الإحاطةَ بهم ؛علمًا وقدرة وسمعًا وبصرًا وسلطانًا وغيرَ ذلك. فعلى هذا هل نحنُ أخرجنا الآية عن ظاهرها؟ أبداً لم نُخرج الآية عن ظاهرها ولم نتأوَّلها؛ حتى لو قال قائلٌ:إنَّ من السلف من فَسَّرَ المعية َ بالعلم وقال"وهومعهم"أي وهوعالمٌ بهم.وهذا لاشك إخراجٌ لها عن ظاهرها لأن هناك فرقٌ بين قوله: "وهو معهم"وبين قوله:"وهوعالمٌ بهم"فرق كبير ؛لأن المعية أشملُ دلالة من العلم فهي تقتضي العلم والسمع والبصروالقدرة والسلطان والتدبير والتصرف إلى مالانهاية َله من معاني الربوبية؛ والعلمُ معنىً خاصٌ. نقول:إذا كان بعضُ السلف فسرها بهذا فقد فسرها ببعض لوازمها.والتفسير باللازم أوبعض اللازم لايمنع من التفسير بدلالة المطابقة؛ لأن أنواع الدلالات كم؟ثلاثة: مطابقة وتضمن والتزام.فهب أنهم فسروها بالعلم فإن ذلك لايقتضي أن يكون إخراجًا لها عن ظاهرها لأن العلم من بعض لوازمها ؛والتفسيرُ باللازم تفسيرٌ بمدلول اللفظ ؛لأن مدلول اللفظ إما أن يكون داخلّا في دلالة التضمن أودلالة المطابقة أودلالة الالتزام.ثم إنهم هم يُخاطبون قومًا يقولون إن اللهَ معنا بذاته مختلطًا بنا وحالاًّ في أمكنتنا فيريدون أن يُبيِّنوا للناس أن هذا المعنى باطلٌ.وقدأشار إلى ذلك عبدالله ابن المبارك-رحمه الله-حيثُ قال:لا نقول كما تقول الجهمية إنه هاهنا في الأرض.فبيَّنَ أن المرادَ بذلك نفيُ ما ادعوه من كونه معنا في نفس المكان فإن هذا باطلٌ ولايمكن أن يُقره عقلٌ فضلاً عن شرع.فصار احتجاج هؤلاء المعطلة علينا أو أهل التأويل بما فسره بعضُ السلف من"العلم" احتجاجٌ أيضًا باطلٌ حتى لو فسرناها بالعلم وجهُ ذلك أن العلمَ بعضُ اللوازم والتفسيرُ باللازم تفسيرٌ صحيحٌ ؛ولكنه لاينفي التفسير بدلالة المطابقة.وقد صرحَ شيخُ الإسلام ابن تيمية كما سيأتي أظن هنا في العقيدة الواسطية:أنَّ اللهَ-سبحانه وتعالى-معنا حقٌ على حقيقته ؛وأنه لايحتاجُ إلى تحريفٍ ولكن يُصان عن الظنون الكاذبة قال:

المتن
ولا ريب أن القول الأول لا يقتضيه السياق، ولا يدل عليه بوجه من الوجوه، وذلك لأن المعية هنا أضيفت إلى الله - عز وجل - وهو أعظم وأجل من أن يحيط به شيء من مخلوقاته!
الشرح

صحيح لأنه كيف يُقالُ:إنَّ اللهَ- سبحانه وتعالى- معنا في الأرض واللهُ يقول:" وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ "الزمر67؛ فالذي تكون الأرضُ كلها قبضته يومَ القيامة كيف يمكن ان يكونَ حالاً في مكانٍ منها؟ هذا ممكن ولا لأ؟مستحيلٌ غاية الاستحالةِ.كلُ السمواتِ السبع والأرضين كلها في كفِ الرحمن كخردلةٍ في كفِّ أحدِنا وهذا أيضًا على سبيل التقريب لاعلى سبيل الحقيقةِ والموازنةِ.شأنُ اللهِ أعظمُ من ذلك كله ولايمكن أن يُحيط  به أحدٌ- عزوجل-لا في ذاتهِ ولافي صفاته ومهما قدَّرتَ من غايةٍ فإنَّ اللهَ أعظمُ وأجلُّ.
المتن
ولأن المعية في اللغة العربية التي نزل بها القرآن لا تستلزم الاختلاط أو المصاحبة في المكان، وإنما تدلُّ على مطلق مصاحبة، ثم تفسر في كل موضع بحسبه.
الشرح
ولهذانقول:إنَّ قولهم فيماسبق إنَّ الرجُلَ إذا قال فلانٌ مع فلان اقتضى أن يكون معه في نفس المكان.نقول:هذا الذي قلتم ليس في كل وقتٍ وفي كل استعمالٍ؛ بل يُقال فلانٌ مع فلانٍ وبينهما مسافاتٍ بعيدة ؛ فيُقال فلانة مع زوجها؛ وهوفي المشرق وهي في المغرب .ولالأ؟لكن مع زوجها يعني أنها لم تُطلق.ويُقالُ مثلاً الدولة الفلانية مع الدول الشيوعية؛ مثل كوبا مع الدول الشيوعية؛ والمكان واحد؟ بل متباعدٌ جدًا. على هذا نقول إنَّ قولَكم إن اللغة العربية تقتضي المعية أن معية الشخص مع الشخص تقتضي اختلاطهما بالمكان ليس بصوابٍ؛ بل المعية في اللغة العربية تدلُّ على مطلق مقارنة أومصاحبة؛ وتختلف في كل موضعٍ بحسبهِ. تارة  تقتضي اختلاطًا؛ كما لوقلتُ خلطتُ له لبنًا مع ماءٍ؛ فهنا اختلاط ٌبلاشك.صُبَّ الماءَ على اللبن اختلط به ماينفرد بعضه عن بعض.ولهذا يقولُ قائلٌ في ذم قوم نزلَ بهم ضيفاً؛ ماأعطوَه الضيافة َمن أول ماقدم ماأعطوه الضيافة إلاحين أظلمَ الليلُ لأجل ألايرى مايُقدموه له في الضيافة فقال: حتى إذا جنَّ الظلامُ واختلط جاءوا بمَزْقٍ هل رأيتَ الذئبَ قَط ّْ؛مَزق:يعني لبن مخلوطٌ بماءٍ.هل رأيتَ الذئبَ قط إيش لونه؟ أشهب ماهو أبيض.هذا لما تكاثر الماءُ عليه صار اللبن مثل لون الذئب.
سبق لنا المثال الخامس والسادس مما قال أهلُ التعطيل:إنَّ أهلَ السُنةِ والجماعةِ خرجوا به عن ظاهراللفظ ،لأن أهلَ التعطيل زعموا أنَّ ظاهرَ المعيةِ أنَّ اللهَ معنا مختلِطًا بنا وفي أمكِنَتِنا.ثم قالوا:تفسيرُكم ذلك بالعلم إخراجٌ لها عن ظاهرها؛ فيكون تأويلًا .نقول:إنّ هذا المعنى الذي ذكرتم أنه ظاهرُ اللفظِ باطلٌ من عدة وجوهٍ.
المتن

وتفسير معية الله - تعالى - لخلقه بما يقتضي الحلول والاختلاط باطل من وجوه:
الأول: أنه مخالف لإجماع السلف، فما فسرها أحد منهم بذلك؛ بل كانوا مجمعين على إنكاره.
الشرح
فإن كان السلف كلهم لم يُفسروا المعية َبما يقتضي الاختلاط والمشاركة في المكان أبدًا بل كلهم مُجمعون على إنكار ذلك وأنه أمرٌ باطلٌ مستحيل.وماكان مخالفًا لإجماع السلف فهو باطلٌ؛ لأنه يكون قولًا مُحْدَثًا.وكلُ مُحدثةٍ بدعة  وكلُ بدعةٍ ضلالة .
المتن
الثاني: ثانيًا:أنه مناف لعلو الله - تعالى - الثابت بالكتاب، والسنة، والعقل، والفطرة، وإجماع السلف، وما كان منافيًا لما ثبت بدليل كان باطلًا بما ثبت به ذلك المنافي، وعلى هذا فيكون تفسير معية الله لخلقه بالحلو والاختلاط باطلًا بالكتاب والسنة، والعقل، والفطرة، وإجماع السلف!!
الشرح
ثانيًا أنه مُنافٍ لعلو الله لأنك إذا قلت إنَّ اللهَ معك في المكان وأنت في المسجد مثلاً فيكون اللهُ على زعمه في المسجد.المسجد هو عال ولاغيرُ عالٍ؟غيرُعالٍ.فأنتَ إذا فسرتَ المعية بأن اللهَ تعالى معنا في الأرض في أمكنتنا؛فهذا يُنافي عُلو الله-عزوجل-. عُلو الله ثابتٌ بالكتاب والسُنة والإجماع والعقل والفطرة أليس كذلك؟وقد مرَّ علينا هذه الأدلة وبيَّنا وجه دلالتها.إذا كان العُلوالثابت بهذه الأدلة الخمسة يُنافيه القول بأنَّ اللهَ معنا في الأرض؛كان القولُ بأن اللهَ معنا في الأرض باطلًا بمقتضى هذه الأدلة ؛أي بمقتضى الكتاب والسُنة والإجماع والعقل والفطرة.ولهذا نقول:وماكان مُنافياً لما ثبتَ بدليلٍ كان باطلًا بما ثبتَ به ذلك المنافي.قاعدة مفيدة:"وماكان مُنافيًا لما ثبُتَ بدليلٍ كان باطلاً بماثبت به ذلك المُنافي". العُلو يُنافي القول بأنَّ اللهَ معنا في الأرض ووجه مُنافاتِه واضحة.العُلو ثابتٌ بالكتاب والسُنة والإجماع والعقل والفطرة إذًا كَونُ اللهُ في الأرض باطلٌ بالكتاب والسُنة والإجماع والعقل والفطرة وهذا واضحٌ لأن الشيءَ المناقِضُ للشيءِ إذا ثبُتَ بدليلٍ؛فإنَّ بُطلان ذلك المُناقِض يكونُ بهذا الدليل الذي ثبتَ به المناقِض.وعلى هذا فيكون تفسيرُ معيةِ اللهِ لخلقه بالحلول والاختلاط باطلًا بالكتابِ والسُنةِ والعقلِ والفطرةِ وإجماع السلف.
المتن
الثالث: أنه مستلزم للوازم باطلة لا تليق بالله - سبحانه وتعالى.
الشرح
أنه أي تفسيرُ المعيةِ بالاختلاطِ والحلول مُستلزمٌ لوازمَ باطلة ًلاتليقُ بالله ؛مثالُ ذلك: إذا كان الإنسانُ في مكانٍ قذرٍ ؛كالحمَّام وقلنا:إن معنى كونه معنا أنه في مكاننا؛ يلزم أنَّ اللهَ- سبحانه وتعالى- أن يكون في هذه الأماكنِ القذرةِ ؛ والعياذ ُ بالله تعالى الله.وهذا لازمٌ من أبطل اللوازم.ومعلومٌ أنَّ بُطلانَ اللازمِ يدلُ على بُطلان الملزوم ضرورة.
المتن
ولا يمكن لمن عرف الله - تعالى - وقَدَره حق قدره، وعرف مدلول المعية في اللغة العربية التي نزل بها القرآن أن يقول: إن حقيقة معية الله لخلقه تقتضي أن يكون مختلطًا بهم أو حالاً في أمكنتهم، فضلًا عن أن تستلزم ذلك، ولا يقول ذلك إلا جاهل باللغة، جاهل بعظمة الرب - جل وعلا.
الشرح
فاللغة العربية لا تقتضي أن يكونَ اللهُ تعالى معنا في الأرض؛ فضلًا على أن تكون تستلزم ذلك وهم يقولون:إنها تستلزمُ ذلك.ومن أجل هذا رَمَونا بأننا نؤولُ نصوصَ المعيةِ.
المتن
فإذا تبين بطلان هذا القول تعين أن يكون الحق هو القول الثاني، وهو أن الله - تعالى - مع خلقه معية تقتضي أن يكون محيطًا بهم، علمًا وقدرة، وسمعًا وبصرًا، وتدبيرًا وسلطانًا، وغير ذلك مما تقتضيه ربوبيته مع علوه على عرشه فوق جميع خلقه.
الشرح
انتبه لقوله"مع خلقه معية ًتقتضي أن يكون"لتعرف الفرق بين المُقتضِي والمُقتضَى.فالعلم والسمع والبصر والقدرة والسلطان والتدبير؛هذه ليست هى المعية ولكنها من مُقتضيات المعية والمقتضَى غيرُالمُقتضِي. فإذا كانَ اللهُ معنا اقتضى أن يكونَ عالمًا بنا سميعًا لأقوالنا بصيرًا بأفعالنا قديرًا علينا له السُلطة ُالكاملة ُوالتدبير والتصرف.أما المعية حقاً فقد سبق لنا أنها معية ٌتليقُ به-سبحانه وتعالى-وهي لاتستلزم بل ولاتقتضي أن يكونَ معنا في الأرض.
المتن
وهذا هو ظاهر الآيتين بلا ريب، لأنهما حق، ولا يكون ظاهر الحق إلا حقًا، ولا يمكن أن يكون الباطل ظاهر القرآن أبدًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتوى الحموية ص103 جـ5 من مجموع الفتاوى لابن قاسم: "ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد، فلما قال"يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا" إلى قوله"وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَاكُنْتُمْ"دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم، شهيد عليكم، ومهيمنٌ عالم بكم، هذا معنى قول السلف: إنه معهم بعلمه.
الشرح
يقول دلَّ ظاهرُالخطابِ على أن حُكمَ هذه المعيةِ؛ ولم يقل: إن هذه المعية بل قال"حُكمُ هذه المعيةِ ومُقتضاها" إنه مطلعٌ عليكم شهيدٌ عليكم مُهيمِنٌ عالمٌ بكم وهذا معنى قولُ السلفِ إنه معهم معكم بعلمه. 
المتن
وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته. وكذلك في قوله"مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ" إلى قوله "هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا "الآية.
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه في الغار "لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ معنا" التوبة 40 ؛كان هذا - أيضًا - حقًا على ظاهره، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا معية الإطلاع والنصر والتأييد.
الشرح
وهذه معيةٌ خاصةٌ .إذًا فالمعية تختلفُ أحكامُها ومُقتضياتها بحسب ما تُضافُ إليهِ. فالعامة ُمُقتضاها إيش؟ الإحاطة ُبالخلقِ علمًا وقدرة ً وسلطانًا والخاصةُ مُقتضاها مع الإحاطةِ النصرُ والتأييدُ. 
المتن
ثم قال: فلفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع، يقتضي في كل موضع أمورًا لا يقتضيها في الموضع الآخر. فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع، أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها، وإن امتاز كل موضع بخاصية، فعلى التقديرين ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب - عز وجل - مختلطة بالخلق حتى يقال قد صرفت عن ظاهرها.ا.هـ.
الشرح
وهذا ردٌ واضحٌ على أهلِ التعطيل الذين يقولون:إنَّ ظاهرها ؛أن اللهَ مُختلط  بالخلق وأن صرفها عن هذا الظاهرُ تاويلٌ.فأنتم ياأهل السُنة قد أوَّلتم.هنا يقول المؤلف-رحمه الله-إماأن تختلف دلالتها بحسب المواضع أو تدل على قدر مشتركٍ بين جميع مواردها وإن امتاز كلُ موضعٍ بخاصيةٍ فعلى التقديرين.  
 ماالفرق بين التقديرين؟ الفرق بيها أنه على التقدير الأول:تكون دلالتُها في كل موضعٍ مُستقلة لا يُشاركها في الموضع الآخر.أما على التقدير الثاني:فتكون مُشتركة ًٌفي المواضع في أصل المنى ويمتازُ كلُ شيءٍ بما يختصُ به. فالمعية ُمثلا إذا قلتَ:اللهُ تعالى مع المتقين؛ وقلتَ:هذا الرجلُ مع صاحبه ؛هل نقول:إن المعية َهنا واحدة ٌفي الأصل؛ ولكن تمتازُ معية ُاللهِ بمزايا لاتوجد في معية المخلوق وتمتازُ معية ُالمخلوق بمزايا لاتوجد في معية الله؟ أو نقول:إن معية َاللهِ لها معنىًٍ مُستقلٌ؛ لاتُشاركها فيها معية المخلوق إطلاقًا ؟
يقولُ المؤلفُ:على التقديرين لاتدلُ الآية على أن اللهَ مُختلطٌ ٌبالخلق لأن مثل هذه الكلمات التي تختلفُ بحسب الإضافات يرى بعضُ أهل العلماءِ أنها مُشترَكَة ٌمن باب الاشتراك اللفظي ويرى آخرون أنها غيرُ مشتركةٍ هي ليست من الألفاظ المشتركة بل هي متواطئة ٌ لكن تتميزُ دلالتها بحسبِ ماتُضافُ إليه وهذا القولُ الثاني هوالصحيح. إلاأني لا أدري هل فهمتم الفرق بين هذا القول وبين القول الذي قبله؟يقول بعض العلماء إن مثل هذه الكلمات التي تختلف بحسب الإضافات؛ إنها من باب المُشترك اشتراكا ً لفظياً بحيثُ لاتتفق أفرادُه في معنىً من المعاني.ويقول آخرون بل هي من باب المُتواطئ يعني الذي اتفقت أفراده في أصل المعنى لكن تختلف بحسب ماتُضافُ إليه. فنُمثل أولاً للمشترك اللفظي حتى تعرفوا الفرق بينه وبين المعنى الثاني. المشترك اللفظي:كلمة"عين"تُقال للعين الجارية ؛ وتُقال للذهب يُسمى عينًا ؛وتُقالُ للشمس تسمى عيناً وتُقالُ أيضًا للعين الباصرة تسمى عينًا,تجدون هذه الأشياء الأربعة اتفقت كلها في أنها تُسمى"عين"هل بينها معنىً جامعٌ مشتركٌ ولا لأ؟ أو كل واحد مستقلٌ عن الآخر؟الجواب:كلُ واحدٍ مستقلٌ فالشمس لاترتبط مع العين الجارية بمعنى من المعاني ولامع العين الباصرة بمعنىً من المعاني فالاشتراكُ إذن لفظيٌ ولامعنويٌ؟ لفظي اشتركت في اللفظ لكن في المعنى متباينة تمامًا. كلمة"المعية"هل هي من باب المشترك اشتراكًا لفظيًّا ؛بمعنى أن معية الله لايمكن أن تُشارك معية المخلوق ولا في أصل المعنى؟ يرى بعضُ العلماء هذا ؛وأن كان ماأُضيفَ إلى الله مما له مُسمىً في المخلوق فهو من باب الاشتراك اللفظي ولاتتفق في أصل المعنى أبدًا مع ما يختصُ للمخلوق.
ويرى آخرون أنها من باب اللفظ المتواطئ .المتواطئ يعني المتفِق لكنها متفقة في أصل المعنى مختلفة في حقيقته وكيفيته بحسب ما تُضافُ إليه. فيقولون مثلًا؛ المعية بالنسبة للمخلوق والخالق متفقة ٌفي أصل المعنى ؛وهو المُصاحبة والمقارنة؛ لكن تختلفُ بحسب الإضافة.فالمعية ُالمضافة ُلله ليست كالمعيةِ المضافةِ للمخلوق ؛كما نتقول مثلا السمع؛ للمخلوق سمعٌ ولله سمعٌ هل نقول إن سمعَ اللهِ متميزٌ تماماً عن سمعِ المخلوق بحيثُ لا يُشاركه في أصل المعنى أو نقول هو مشاركٌ له في أصل المعنى لكن يختلف؟الثاني هو الأصح. ولهذا صحح شيخُ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية أن الصحيح أنها من المتواطئ لكنها نوعٌ خاصٌ منه لاتتساوى أفراده.
المتن
ويدل على أنه ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب - عز وجل - مختلطة بالخلق أن الله - تعالى - ذكرها في آية المجادلة بين ذكر عموم علمه في أول الآية وآخرها فقال"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"
فيكون ظاهر الآية أن مقتضى هذه المعية علمه بعباده، وأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم لا أنه - سبحانه - مختلط بهم، ولا أنه معهم في الأرض.
أما في آية الحديد فقد ذكرها الله - تعالى - مسبوقة بذكر استوائه على عرشه وعموم علمه متلوة ببيان أنه بصير بما يعمل العباد فقال"هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"
فيكون ظاهر الآية أن مقتضى هذه المعية علمُه بعباده وبصره بأعمالهم مع علوه عليهم واستوائه على عرشه؛ لا أنه - سبحانه - مختلط بهم ولا أنه معهم في الأرض وإلا لكان آخر الآية مناقضاً لأولها الدال على علوه واستوائه على عرشه.
فإذا تبين ذلك علمنا أن مقتضى كونِهِ - تعالى - مع عباده أنه يعلم أحوالهم، ويسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويدبر شئونهم، فيحيي ويميت، ويغني ويفقر، ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء إلى غير ذلك مما تقتضيه ربوبيته وكمال سلطانه لا يحجبه عن خلقه شيء، ومن كان هذا شأنه فهو مع خلقه حقيقة، ولو كان فوقهم على عرشه حقيقة.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في "العقيدة الواسطية" ص142 جـ3 من مجموع الفتاوى لابن قاسم في فصل الكلام على المعية قال "وكل هذا الكلام الذي ذكره الله - سبحانه - من أنه فوق العرش وأنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ولكن يصان عن الظنون الكاذبة". ا.هـ.
وقال في "الفتوى الحموية" ص102، 103 جـ5 من المجموع المذكور: وجماع الأمر في ذلك أن الكتاب والسنة يحصل منها كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه، وقصد اتباع الحق، وأعرض عن تحريف الكلم عن مواضعه والإلحاد في أسماء الله وآياته.
ولا يحسب الحاسب أن شيئًا من ذلك يناقض بعضه بعضًا البته مثل أن يقول القائل: ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه الظاهر من قوله"وَهُوَ مَعَكُمْ". وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه" ونحو ذلك فإن هذا غلط.
وذلك أن الله معنا حقيقة، وهو فوق العرش حقيقة، كما جمع الله بينهما في قوله - سبحانه وتعالى "هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"
فأخبر أنه فوق العرش، يعلم كل شيء، وهو معنا أينما كنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأوعال: "والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه". ا.هـ.
الشرح
المهم أننا أطلنا في ذلك لأن هذه المسألة يُدندنُ عليها أهلُ التعطيل ؛فيقولون  إنكم أخرجتموها عن ظاهرها لأنكم فسرتموها بالعلم ونحو ذلك.
المتن
واعلم أن تفسير المعية بظاهرها على الحقيقة اللائقة بالله - تعالى - لا يناقض ما ثبت من علو الله تعالى بذاته على عرشه.
الشرح
سبق لنا أن معية َاللهِ لخلقه حقيقة ٌوليس بها مجازٌ؛بل هي حقيقة ولكنها معية ٌتليقُ بالله كسائر صفاته ، فهي وإن اشتركت مع معيةِ المخلوق في أصل المعنى وهو المصاحبة والمُقارنة لكنها لاتُماثلُ معية المخلوق.كما أنَّ علمَ اللهِ مُشترَكٌ مع علم المخلوق في أصل المعنى ولكن يختلف بل وجودُ اللهِ مشترِكٌ مع وجود المخلوق في أصل المعنى ولكن يختلف.وقد سبق لنا هل مثل هذه الألفاظ من باب المشترك اللفظي أم من باب المُتواطئ ولكن تختلفُ بحسب الإضافات؟وقلناإن الصحيح أنها من باب المتواطئ ولكن تختلف بحسب الإضافات وذلك أن المشترك اللفظي لاينطبقُ عليها لأن الاشتراك اللفظي لايتفقُ فيه المشتركان في أيِّ معنىً من المعاني أوفي أيِّ وجهٍ من الوجوهِ .هل إثباتُنا لمعيةِ الله على حقيقتها يُنافي ما ثبتَ من علوه؟ الجواب:لأ. 
المتن
وذلك من وجوه ثلاثة:
الأول: أن الله - تعالى - جمع بينهما لنفسه في كتابه المبين المنزه عن التناقض، وما جمع الله بينهما في كتابه فلا تناقض بينهما.

الشرح
وقد سبق في آية الحديد أنَّ اللهَ استوى على العرش وأنه مع خلقه.فإذا كان كذلك ؛أي أنَّ اللهَ جمع بينهما فإنه لايمكن أن يكونَ بينهما تناقضٌ أبدًا ؛لأن ماجمع اللهُ بينه معناهُ أنَّ الجمعَ مُمكنٌ غيرُ محالٍ والمتناقضاتُ الجمعُ بينهم محالٌ. فإذًا نقولُ بمجرد أن اللهَ جمع بين العلو والمعية لنفسه ؛فإننا نعلم علمَ اليقين أنه لاتناقض بينهما ؛ لأن القرآن لايدلُ على محالٍ.

المتن
وكل شيء في القرآن تظن فيه التناقض فيما يبدو لك فتدبره،
الشرح
كل شيء في القرآن تظن فيه التناقض فيما يبدو لك فتدبره هذه قاعدة مهمة جدًا ؛ونردفها بقاعدة أخرى لاتلق لها بهذا البحث لكنها مهمة أيضًا.وهي: كل شيء في القرآن تظن فيه التناقض فاعلم أن هذا الظن خطأ بلا شك ،لأن التناقض مستحيل ،فلا تجتمع المتناقضات في القرآن أبدًا .
القاعدة الثانية: كل شيء من الواقع تظن أن القرآن يخالفه فهو ظن خطأ .
مثال ذلك : قوله تعالى " أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ"17" وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ"18" وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ"19" وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ"20"الغاشية.
فإن قال قائل: كيف سطحت؟ ونحن نشاهد الأرض الآن كروية، فهل القرآن يناقض الواقع؟
الجواب:
".قال قائلٌ كيف سُطحت ونحن نُشاهِدُ الأرضَ أنها كروية وليس عندنا إشكالٌ في ذلك أبدًا فالقرآن يُناقضُ الواقع؟ نقول هذا مستحيلٌ.مستحيل أن القرآن يُناقض الواقع أبداً.قال اللهُ تعالى:" تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا "الفرقان61
وقال:" وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا "نوح16  ونحنُ نعلمُ أن أهل الأرض وصلواإلى القمربدون أن ينالهم شيءٌ مع أن الذي يَقربُ من السماء وإيش يُصاب؟ بالشُهب التي تحرقه كما قال تعالى عن الجن:" وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا "الجن9 ؛والنبي-صلى الله عليه وسلم-أشرَفُ الخلقِ ومعه أشرفُ الملائكةِ ما استطاع أن يدخلَ السماء إلا بعد استئذانٍ وإذنٍ. إذن كون القمرفي السماء يُخالفُ الواقع فهل نُكذبُ الواقع أم ماذا نصنع؟
نقول:الواقع لايُمكن تكذيبه ولوأن أحدا كذبَ الواقع على أن ظاهر القرآن يُخالفه لكان أكبرَ مُسئٍ إلى القرآن ولالأ؟ لأن الكفار يقولون:إن هذاالقرآن يُخالفُ الواقع.مايمكن.إذن القرآنُ الذي يُخالفُ كاذبٌ لأن الواقع مايكذب؟.إذا كان الواقعُ لايكذب يكون القرآن هو الكاذب وحينئذٍ يكون الذي يقول ذلك مُسيئاً إلى القرآن وإلى الإسلام أعظم إساءةٍ وهو لايدري.                                           طيب ماذا نقول عن الآية الأولى"وإلى الأرضِ كيفَ سُطِحَت" مع أن الواقع أنها كروية؟ لا إشكال فيه.إيش نقول؟ لايمكن أن يكونَ المرادُ بالآية مافهمتَ من أن الأرضَ ممدودة ولكنها سُطِحت أي جُعلت كالسطح باعتبار مصالحُ الخلقِ كلُّ الناسِ بمنطقتهم يعتقدون أن الأرض إيش؟ مسطحة ٌلأنها كبيرة ُالحجمِ وكروِيتُها لا تَبِينُ إلا بقَدْرٍ كبير فهو إذن مسطَّحٌ ونقولُ له اقرأ:      "إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ"1" وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ"2" وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ"3" وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ"4" الانشقاق ".
متى هذا؟يوم القيامة.قال اللهُ-سبحانه وتعالى-"إذا الأرضُ مُدت"هي الآن غيرُممدودة إذن فهي مطوية مكورة وحينئذٍ يتبينُ لنا أنَّ القرآن لايُخالف الواقع.
 وكذلك بالنسبة للقمر  :" تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا "الفرقان61
نقول إنَّ اللهَ جعل في السماء أي في العلو" تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا "أي في العلو ولايلزم أن يكون العلو هو السماء ذاتُ الأجرام" وَقَمَرًا مُّنِيرًا ".بعض العلماء يقول إنَّ القمرَ له وجهان وجهٌ إلى الأرض فيه نورٌ ووجهٌ إلى السماء فيه نورٌ فهو ينور على السماء ويُنور  على الأرض فيكون نوراً في السماء ونورًا في الأرض.وبعض العلماء يقول"فيهن" أي في جهتهن أي في جهة العلو. على كل حال هاتان القاعدتان مهمتان وهما:أولًا :أن القرآن لايمكن ان يقع فيه التناقض فإن ظننتَ أن فيه تناقضًا فالظنُ خطأ. ثانيًا :القرآن لايمكن أن يُخالف الواقع فإن ظننتَ أنه يُخالفُ الواقع فالظنُ خطأ. في السألة الأخيرة:يبقى عندنا كيف الخطأ؟ هل هو في الواقع أو في مخالفة القرآن له؟نعم في مخالفة القرآن له؟ مايمكن يُخالفه لكن قد تظن أن الواقعَ يُخالفهُ وهوفي الواقع لا يُخالفه فحينئذٍ يكون هذاالظنُ الخاطئُ.
"معية"هي ذاتية لكنها ليست في الأرض كما يقول أهلُ الاختلاط نقول هو نفسه معنا لكنه في السماء,حتى النزول إلى السماء الدنيا نقول إنه ينزل بذاته كما قال العلماء أيضًا ولكن هذا النزول ليس كنزول المخلوق أنه إذا نزل يخلو منه العرش أو يكون شيءٌ من السموات فوقه.وعلينا أن نؤمن بهذا ولا نتعرض لهذه التقديرات.هذه التقديرات ماحدثت إلا أخيرًا والمسلمون في عهد الصحابة أخذوا القرآن بظاهره وتركوا هذه التقديرات ماقالوا:يخلو منه العرش أو لايخلو ولاقالوا إنه معنا يكون في الأرض لأنهم عرفوا أنه مُنزَّهٌ عن ذلك.فالواجب علينا أن نأخذ القرآن بظاهره.الإمام أحمد أنكر على ابنه عبدالله مسالة ًدون هذا.لما قال:يا أبتي إن الرسول يقول في رمضان تُصفد الشياطين ونحنُ نرى الإنسان يُصرع يصرعه الشيطان كيف هذا؟ فقال له: أعرض عن هذا هكذا جاء الحديث.نهاه أن يُعارض الحديث بالواقع ماراح يتأول الحديث ليوافق الواقع.قال أعرض عن هذا هكذا جاء الحديث.وهذا الواجب علينا يا إخوان الواجب علينا فيما جاءت به النصوص في أمورٍ لاندركها نحنُ أن نُسلم ونقول:سمعنا وآمنا وصدقنا كون الواحد يقول لماذا ولماذا يعني مثل ماقال بعض الإخوان بعض الناس بعدما تفتح العلم الكوني قالوا إذا كان اللهُ ينزلُ إلى السماء الدنيا في ثلث الليل لازم أن يكون دائمًا في السماء الدنيا لأن الثلث لايزال في السماء الدنيا نقول: أعرض عن هذا ياأخي لاتُقدِّرهذا الشيء.أنت مادام  الثلث عندك فالنزولُ حاصلٌ وإذاطلع الفجر انتهى النزول  هكذا قل هكذا وأؤمن بالله هكذا أيضًا كلُ شيءٍ أضافه اللهُ لنفسه  فاعلم أنه مُضافٌ إلى نفسه حقيقة ولايحتاج أن نقول بذاته كما قال ابنُ القيم في"مختصرالصواعق"قال:"كلُ ماأضافه الله إلى نفسه فهو يعني به نفسه ولانحتاج أن نقول بذاته إلا إذا أُلجِئنا إلى ذلك".مثل مايجئ واحد يُجادل يقول"ينزل إلى السماء الدنيا":يعني ينزل أمره نقول لأ ينزل بذاته وإلا كان المفروض ألانقول بذاته أيضاً.ولهذا أنكربعض العلماء  الذين يتحفظون تحفظاً كاملاً على العلماء الآخرين من أهل السُنة أن قالوا:إنه ينزل بذاته قالوا:لاتقل بذاته ماقاله الرسول-صلى الله عليه وسلم-"استوى على العرش"صرحَ بعض العلماء بالقول إنه استوى بذاته على العرش ؛ وقال آخرون من المتحفظين قال:لاتقل بذاته اللهُ ماقال بذاته.فيقول ابنُ القيم:هذا خطأ كلُ شيءٍ أضافه اللهُ إلى نفسهِ فإنما هو إلى ذاته ولاحاجة أن يَذكر الذات لأن هذا معروفٌ ولهذا لم نقل خلق السمواتِ بذاته  خلق الأرض بذاته أنزلَ المطرَ بذاته لاحاجة لأن المعروف أن الشيءَ إذا أُضيفَ إلى الشيءِ فهو إلى نفس الشيء.    "وهومعكم"كذلك مثل هذا الشيء نقول هو معكم نفسُه؟ سبحانه وتعالى معنا لكن لانقول إنه معنا في الأرض مختلطًا بناهذا كفرٌ ؛و لكن نقول هو على عرشه وهو معنا حقيقةً مافيه إشكال والحمدُ لله.
وقول المؤلف:"لاتناقض فيه" التناقض هو أبلغ لأن الاختلاف قد يمكن الجمع فتجده يختلف من وجه دون آخر.والمراد من ب قوله تعالى :" أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا "النساء82  ، مايشمل هذا أما الاختلاف الظاهري الذي يمكن الجمع فهذا لايسمى  اختلافًا في الحقيقة.يوجد أشياءٌ في القرآن ظاهرها الاختلاف مثل" يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا "النساء42 ؛ومع ذلك يقولون:" وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ "الأنعام23، فهذا ظاهرها الاختلاف لكن يمكن الجمع بينهما فيزول هذا الاختلاف. المسألة على التناقض أنه لايمكن الجمع فإذا أمكن الجمع فليس بمتناقض حتى وإن كان ظاهره الاختلاف ولهذا يُعَبِّرُ العلماء فيقولون:ظاهره التعارض.
المتن
القسم الثاني: يقولون :أن المعية في كل مكان بذاته وأن اللهَ مع الخلق في نفس أمكنتهم ولانقول إنه عال فوق السموات بل نقول إنه مع الخلق وليس عاليًا بذاته.فيُنكرون العلو
الشرح
وهؤلاء آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض فآمنوا بالمعية على وجهٍ وكفروا ببعضٍ آمنوا بهاأيضاًعلى وجهٍ ليس مُرادًا لأن معية الله لخلقه ماأرادَ اللهُ بها أنه معهم في الأرض أبداً ولايمكن أن يكون هذا مرادَهُ لأن هذا باطلٌ لايليقُ بالله ولايمكن أن يكون ظاهر الكتاب والسُنة أمراً باطلاً لكن مع ذلك فَهِموا هذا الفهم واثبتوه والعياذ ُبالله.   
القسم الثالث: يقولون:إن معية الله لخلقه مقتضاها أن يكون معهم في الأرض مع ثبوت علوه فوق عرشه. ذكر هذا شيخُ الإسلام ابن تيمية"ص/229-ج/5- من مجموع الفتاوي"عن بعض الطوائف.
الشرح
شوف الآن مذهب هؤلاء يختلف عن مذهب الذين قبلهم وعن مذهب السلف.يقولون:إنَّ اللهَ بذاته في الأرض وبذاته فوق السماء."بذاته فوق السماء"يوافقون أهلَ السُنة والجماعة ويُخالفون الجهمية حلولية الجهمية لأنهم يقولون الله ليس بذاته فوق السماء."بذاته في الأرض"يوافقون الجهمية ويُخالفون السلف لأن السلف لايقولون إنه بذاته في الأرض.فلاتظن أن هذا المذهب هو مذهب السلف ولامذهب هؤلاء الجهمية ؛والفرق بينهم كما عَرفتَ: الجهمية يقولون إن اللهَ بذاته في الأرض ولايقولون إنه في السماء لأنهم يُنكرون العلو.هؤلاء يقولون:إن اللهَ بذاته في الأرض كما  قال الجهمية ولكن هو بذاته في السماء خلافاً للجهمية طيب يقولون إن الله بذاته في السماء فيوافقون أهلَ السنة ويقولون إنه بذاته في الأرض فيُخالفون أهلَ السنة.فهؤلاء أخذوا من هؤلاء وهؤلاء وزعموا أنهم هم الذين معهم ظاهر الكتاب والسُنة.
المتن
وقد زعم هؤلاء أنهم أخذوا بظاهر النصوص في المعية والعلو وكذبوا في ذلك فضلوا. فإن نصوصَ المعية لا تقتضي ما ادعوه من الحلول لأنه باطلٌ ولايمكن أن يكون ظاهركلام الله ورسوله باطلا.
الشرح
واضح ؟ لأن كون الله معنا في الأرض هذا باطلٌ مافيه شك ولايمكن أن يكون اللهُ كذلك لأن هذه كما مرعلينا كثيرًا مُخالفٌ لظاهرالقرآن والسُنة وإجماع السلف ويقتضي أحد أمرين إما التجزئة وإما التعدد.
 التجزئة:بأن يُقال الله جزؤه هنا وجزؤه هنا وجزؤه هناك.
 وإلا التعدد:إذا قلتَ كلُّ الله في هذا المكان وكل الله في المكان الثاني وكل الله في المكان الثالث معنى هذا أنه يلزمُ التعدد.
فالقائلُ بهذا يلزمه احدُ أمرين ولابد إما أن يقول  بتجزؤ الله-سبحانه وتعالى-وإماأن يقول بتعدد الله وكلُ هذا باطلٌ فدعواهم بأنهم أخذوا بظاهر الكتاب والسُنة نقول هذه دعوى باطلة تدرون لماذا قالوا:"أخذنا بالظاهر؟ قالوا: "وهومعكم"هومَن؟الله,"معكم"أجرها على ظاهرها في الأرض يكون في الأرض."استوى على العرش"مين اللى استوى؟ الله . إذن أجرها على ظاهرها يكون الله في العلو فيكون في السماء ويكون اللهُ معنا في الأرض.عرفتم أهل السُنة والجماعة يقولون: هذا ليس بصوابٍ لأنه لايلزم من المعية أن يكون في الأرض إذ أن الشيء يكون عاليًا ويُقالُ في اللغةِ العربية إنه معنا.العرب يقولون:إن القمرَ معنا أو الثُّريا معناوهي في السماء أو الجدي معنا أو السبيل معنا ولايُعدُ ذلك تناقضاً ولاأحد يُنكرهذا التعبير.فنقول إن الله معنا وإن كان في السماء ولانقول إنه يلزم أن يكون معنا في الأرض.والمعية تأتي أيضًا لمعانٍ متعددة بحسب الإضافات.يُقال مثلا:فلان معه زوجته يعني في عصمته حتى ولو كان هو في الشرق وهي في الغرب؛ أليس كذلك؟ ويُقالُ القائدُ مع الجُند في الميدان إذا كان محيطاً بهم ويدري عن تصرفاتهم وإن كان في غرفة القيادة بعيدًا عن الميدان .فالمعية معناها أوسع مما ظن هؤلاء  أنه لابد أن يكون مختلطًا في المكان.وهذا معنىً باطلٌ لاأحد يعتقده في الله أبداً.
المتن
تنبيه:اعلم أن تفسيرالسلف لمعية الله تعالى لخلقه بأنه معهم بعلمه لايقتضي الاقتصارعلى العلم بل المعية تقتضي أيضًا إحاطته بهم سمعًا وبصرًا وقدرة وتدبيراً ونحو ذلك من معاني ربوبيته.
تنبيهٌ آخر:أشرتُ فيما سبق إلى أن عُلو الله تعالى ثابتٌ بالكتاب والسُنة  والعقل والفطرة والإجماع أما الكتاب:فقد تنوعت دلالتُه على ذلك فتارة بلفظ العُلو والفوقية والاستواء على العرش وكونه في السماء كقوله تعالى:"وهوالعليُ العظيم","وهوالقاهِرُ فوق عباده", "الرحمنُ على العرشِ استوى","ْأأمنتم مَنْ في السماءِ أن يخسِفَ بكمُ الأرض".   
الشرح
  أظن لاحاجة إلى إعادة شرح قوله"أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" والوهم الذي قد يرد على القلب في هذه الآية؟أن يتوهم الإنسان كونه في السماء يستلزم أن السماء تُقِله أو أنها أوسع منه,محيطة ٌبه.هذا ليس بصوابٍ هذا وهمٌ باطلٌ وذكرنا أن العلماءأجابوا على هذا الوهم فقالوا:
==============
إما أن: نجعل"في"بمعنى"على"كما جاءت في مواضع مثل قوله: " قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ"أي على الأرض "وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ"أي على جذوع النخل. "أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" أي مَنْ على السماء.
وجهٌ آخر:يجعلون السماء بمعنى"العُلو"ويجعلون "في" للظرفية؛فيقولون"فِي السَّمَاءِ"أي في العلو.نُطالب هؤلاء ونقول إيتوا بدليلٍ على أن"السماء"تأتي بمعنى العلو؟ حتى نقبل تأويلَكم.يأتون بدليل يقول الله تعالى "أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً"والسماء هنا بمعنى العلو بدليل قوله تعالى"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" "البقرة164"والماء ينزل من السحاب ومع هذا قال بين السماء والأرض فدلَّ ذلك على أن السماء تأتي بمعنى العلو فيكون معنى قوله"فِي السَّمَاءِ"أي في العلو.فاللهُ تعالى في العلو الأعلى لايُحيط ُبه شيءٌ من مخلوقاته لأن ما فوق المخلوقات عدمٌ والعدم ليس بشيءٍ حتى يكونَ محيطًا بالله. ولهذا نقول:في السماء أي في العُلو ؛ويزول الإشكال الذي يتوهمه الإنسان.فإن قلتَ كيف تجمع بين هذا وبين قوله تعالى"وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ" وقوله "وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ " أفلا تدلُ الآيتان على أنَّ اللهَ كائنٌ في السموات وفي الأرض جميعًا؟ الجواب عن ذلك أن نقول"وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ" أي أن ألوهيتَه في السماء والأرض ؛ يعني مألوهٌ من أهلِ السماء ومن أهل الأرض. ونظيرُذلك من الكلام أن تقول فلانٌ أميرٌ في المدينة وأميرٌ في مكة مع أنه في مكة مثلاً ساكنٌ في مكة أو في المدينة وليس ساكنًا فيهما جميعًا.إذن"وهوالذي في السماءِ إلهٌ وفي الأرضِ إلهٌ"يعني ألوهيته ثابتة ٌفي السماء وفي الأرض أما هو ذاته فهو في السماء.وكذلك نقول" وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ" أي وهو المألوه في السموات و في الأرض بمعنى مألوه فى السموات قف ثم استأنف وقال" وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ " يعني ويعلم سركم وجهركم في الأرض.
وعلى كل حال فلدينا بارك الله فيكم" هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ "آل عمران 7. ويَرُدُّون المتشابه إلى المُحكم فيقول:هذه الآيات المتشابهات أنزلها الله- سبحانه وتعالى- هكذا متشابهة ابتلاءً وامتحانًا لأن الذي فيقلبه زيغٌ يتبع المتشابه ليُشكك الناس في دينهم والمؤمنون لايتبعون المتشابه يقولون:كُلٌ من عند الله ولاتناقضَ فيه ويحملون المتشابه على المحكم فيكون الجميعُ محكمًا.
الآن تنوعت الأدلة بالنسبة للعلو: العلو ،الفوقية, الاستواء على العرش كونه في السماء أربعة أنواعٍ. "وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ " الأنعام 3.الجواب كما أشرنا قلنا:وهو الله في السموات أي وهو المألوه في السموات وفي الأرض أو وجه آخر أن نقول"وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ"ونقف نقول الله في السموات يعني عليها"وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ"في الأرض متعلقة ٌ"بيعلم"يعني يعلم سركم وجهركم في الأرض.
المتن
وأما السنة:فقد دلت عليها بأنواعها القولية والفعلية والإقرارية في أحاديثٍ كثيرة تبلغ حد التواتر وعلى وجوهٍ متنوعةٍ كقوله-صلى الله عليه وسلم-في سجوده "سبحان ربيَ الأعلى"وقوله"إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إنَّ رحمتي سبقت غضبي"وقوله: "ألا تأمنوني وأنا أمينُ مَنْ في السماء" وثبتُ عنه أنه رفع يديه وهو على المنبر يوم الجمعة يقول"اللهم أغثنا"وأنه رفع يديه إلى السماء وهويخطب الناس يوم عرفة حين قالوا:نشهدُ أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال:"اللهم فاشهد وأنه قال للجارية:"أين الله"قالت في السماء فأقرها وقال لسيدها:"أعتقها فإنها مؤمنة".
الشرح
هنا السُنة بالقول والفعل والإقرار. القول:قوله في سجوده "سبحان ربي الأعلى". الفعل:إشارة الرسول-عليه الصلاة والسلام- في عرفة إلى السماء يقول:"اللهم اشهد".الإقرار:سؤال الجارية فقالت في السماء فأقرها.إذن اجتمعت السُنة القولية والفعلية والإقرارية على علو الله -سبحانه وتعالى-.
المتن
أما العقل:فقد دلَّ على وجوب صفة الكمال لله تعالى وتنزيهه عن النقص.والعُلو صفة كمال والسُفل نقص فوجبَ لله تعالى صفة العلو وتنزيهُهُ عن ضده.
الشرح
الدلالة العقلية أن يُقال:هل العلو صفة كمال أو النزول؟ الجواب كُلٌ يقول:العلو.فإذا كان العلو صفة كمال فالله-سبحانه وتعالى-موصوفٌ بصفاتِ الكمال فهو عالٍ في ذاته وفي صفاته. الجهمية واتباعهم الذين يقولون بالحلول يقولون:إنه عالٍ بصفاته وليس عاليًا بذاته ومع ذلك يُنكرون الصفات ولايُثبتون إلا أسماء كما مرعلينا من قبل.
المتن
وأما الفطرة:فقد دلت على علو الله تعالى دلالة ضرورية فطرية.فما مِنْ داعٍ أو خائفٍ فَزِعَ إلى ربه تعالى إلاوجد في قلبه ضرورة َالاتجاه نحو العلو لايلتفت عن ذلك يُمنةً ولايُسرة.
الشرح
هذا أمرٌ معلومٌ فطريٌ بدون ان يدرس الإنسان أو يقرأ كتابًا يُقرر ذلك بمجرد ماتقول:"يارب"أين يتجه قلبك؟إلى السماء.والغريب الذين يُنكرون العلو إذا دعوا يرفعون أيديَهم إلى السماء!!. تقابلت بجماعة في أيام الحج وكانوا يُنكرون العلو وكان هذا في يوم العيد فقلتُ لهم:أمس كنتم في عرفة تدعون الله أين توجهون أيديَكم؟أنتم تقولون:اللهم إنا نسألك العلم النافع والعمل الصالح تذهب أيديَكم للأرض وللا وين تُحطوها؟ قالوا نحطها فوق.قلنا:خلاص هذا أكبرُ دليلٍ على علو الله وأن الذي تدعونه فوق.لو تجدون صبيًا سفيهًا يضع يديه أو يوجه يديه نحو الأرض وهويدعو الله وجهتموه قلتم هذا غلط.فكيف تُنكرون هذا بألسنتكم وتُقرون به بفطركم! غصبٌ عليكم.
وأبو المعالي الجويني-رحمه الله-كان يقول:إن الله تعالى كان ولم يكن شيءٌ قبله يتكلم مع الناس يَعِظهم أو يُدرِّسهم ما أدري ولكن يقول:إن الله تعالى كان ولم يكن شيءٌ قبله ،صح؟وهو الآن على ماكان عليه كان قبل العرش وهو الآن على ماكان عليه إذن استوى على العرش ولَّا ما استوى؟ما استوى على كلامه لم يستوِ وهذا هوالذي يُريد إنكار الاستواء على العرش. فقال له أبو الأعلى الهمداني: يا أستاذ دعنا من ذِكر العرش وأخبرنا عن هذه الضرورة: ماقال عارفٌ قط يا ألله إلا وجدَ من قلبه ضرورة بطلب العلو؟كيف، قال:دعنا من ذِكر العرش؟ لأن الاستواء على العرش دليله السمع.لولا السمع وأنَّ اللهَ أعلمنا أنه استوى على العرش؛ماعَلِمنا ذلك.فقال:دعنا من هذا الدليل السمعي ولانُنازعك فيه لأن النزاع فيه يطول، لكن نأتي بدليلٍ واضحٍ مثل ماقال إبراهيم لما قال المُحاج:أنا أُحيي وأُميتُ ويش قال له؟قال"قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ"هذا نفس الشيء قال ما نجادلك في مسألة الاستواء على العرش لكن أخبرنا عن هذه الضرورة: ماقال عارفٌ قط يا ألله إلا وجد من نفسه ضرورة بطلب العُلو؟ ويش قال أبوالمعالى؟ اعْترف ،ضرب على رأسه هكذا: حيرني الهمداني حيرني الهمداني.تحير مايقدر يُجيب عن هذا.
. وهذا أمرٌ معلومٌ بالفطرة مامن إنسان حتى وإن أنكر بلسانه أن الله فى العلو لا يمكن بفطرته لا أن يقول أن الله فى العلو.


المتن
وأما الفطرة: فقد دلت على علو الله تعالى دلالة ضرورية فطرية فما من داع أو خائف فزع إلى ربه تعالى إلا وجد في قلبه ضرورة الاتجاه نحو العلو لا يلتفت عن ذلك يمنه ولا يسرة.
واسأل المصلين، يقول الواحد منهم في سجوده: "سبحان ربي الأعلى" أين تتجه قلوبهم حينذاك؟
الشرح
يقول الفطرة دلالتها أيضًا واضحة فصارت الأدلة الخمسة كلها مجتمعة على أثبات علو الله واسأل المصلين يقول الواحد منهم فى سجوده سبحان ربى الاعلى أين تتجه قلبهم حينذاك.
المتن
أما الإجماع:فقد أجمع الصحابة والتابعون والأئمة على أن الله تعالى فوق سمواته مستوٍ على عرشه. وكلامهم مشهورٌ في ذلك نصًا وظاهرًا.قال الأوزاعيُ: كنا والتابعين متوافرون نقول إن اللهَ تعالى ذِكرهُ فوق عرشه ونؤمن بماجاءت به السُنة ُمن صفاتٍ وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحدٍ من أهلِ العلم ومُحال أن يقع في مثل ذلك خلافٌ.وقد تطابقتِ عليه الأدلة العظيمة التي لايُخالفها إلا مكابرٍطُمِسَ على قلبه واجتالته الشياطينُ عن فطرته.نسألُ اللهَ السلامة َوالعافية َ. فعلو الله تعالى بذاته وصفاته من أبينِ الأشياء وأظهرها دليلًا واحقِ الأشياء واثبتها واقعًا.
تنبيهٌ ثالثٌ:اعلم أيها القارئ الكريم أنه صدر مني كتابة لبعض الطلبة تتضمن ماقلته في بعض المجالس في معية الله تعالى لخلقه ذكَرتُ فيها:أن عقيدتنا أن لله تعالى معية حقيقية ذاتيةً تليقُ به وتقتضي إحاطته بكل شيءٍ علمًا وقدرة وسمعًا وبصرًا وسلطانًا وتدبيرًا وأنه -سبحانه وتعالى-منزهٌ أن يكون مختلطًا بالخلق أوحالاً في أمكنتهم بل هو العليُ بذاتهِ وصفاتهِ وعلوه من صفاته الذاتية التي لاينفكُ عنها وأنه مستوٍ على عرشه كما يليقُ بجلاله وأن ذلك لايُنافي معيته لأنه تعالى "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" الشورى 11. وأردتُ بقولي"ذاتية"توكيدَ حقيقةً معيتهِ-تبارك وتعالى. وما أردتُ أنه مع خلقه-سبحانه-في الأرض كيف وقد قلتُ في نفس هذه الكتابة كما ترى أنه-سبحانه-مُنزهٌ أن يكون مختلطًا بالخلق أو حالًا في أمكنتهم وأنهُ العليُّ بذاته وصفاته وأن علوه من صفاته الذاتية التي لاينفكُ عنها.وقلتُ فيها أيضًا مانصه بالحرفِ الواحدِ"ونرى أن مَنْ زعم أنَّ اللهَ بذاته في كل مكان فهو كافرٌ أو ضالٌ إن اعتقده وكاذبٌ إن نسَبَهُ إلى غيره من سلف الأمة أو أئمتها" ا.هـ
ولايمكن لعاقل عرف الله وقدَرَهُ حق قدره أن يقول إنَّ اللهَ مع خلقهِ في الأرض.ومازلتُ ولاأزالُ أنكِرُ هذا القولُ في كل مجلسٍ من مجالسي جرى فيه ذكره. وأسألُ اللهَ تعالى أن يُثبتني وإخواني المسلمين بالقول الثابت في الحياةِ الدنيا وفي الآخرة. هذا وقد كتبتُ بعد ذلكَ مقالاً نُشِرَ في مجلة الدعوة التي تصدُرُ في الرياض نُشِرَ يوم الإثنين الرابع من شهر الله المحرم سنة1404هـ أربعٍ وأربعمائة وألفٍ برقم911 قررتُ فيه ماقررهُ شيخُ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى-من أن معية َاللهِ تعالى لخلقِهِ حقٌ على حقيقتها وأنَّ ذلكَ لايقتضي الحلول والاختلاط بالخلق فضلاً عن أن يستلزمُهُ.ورأيتُ من الواجبِ استبعادَ كلمة "ذاتية" وبينتُ أوجهَ الجمعِ بين عُلوِ الله تعالى وحقيقةِ المعية. واعلم أنَّ كلَ كلمةٍ تستلزمُ كونَ اللهُ تعالى في الأرض أو اختلاطهِ بمخلوقاتهِ أو نفي علوه أونفي استوائه على عرشه أو غير ذلك مما لا يليقُ به تعالى فإنهاكلمة ٌباطلة ٌيجبُ إنكارُها على قائلها كائنٍ من كان وبأيِّ لفظٍ كانت.وكلُ كلامٍ يوهم ولوعند بعض الناس ما لا يليقُ بالله تعالى فإن الواجب تجنبه لئلا يُظَنُ بالله تعالى ظنَّ السَّوء.لكن ماأثبته الله تعالى لنفسه في كتابه أوعلى لسان رسوله-صلى الله عليه وسلم-فالواجب إثباته ُ وبيانُ بُطلان وهم مَنْ توهم فيه مالا يليقُ بالله-عزوجل-.
الشرح
هذا الكلام كما ترون هوعبارة عما أشرنا إليه من أن بعض الطلبة سمع منا تقريرَ حقيقة المعية وأن الله تعالى معنا حقيقةً هونفسُهُ وكتبتُ له كلمة في ذلك ونقلتُ كلامَ أهلِ العلم ِلكن ما نُقِلَ هنا.وبينتُ له أن عقيدتنا أننا نعتقد أن اللهَ تعالى معنا حقٌ على حقيقته معية ذاتية ففهِمَ بعضُ الناسِ من كلمة ذاتية أنه يُرادُ بها الحلول وأنه معنا هونفسُهُ في الأرض فاحتج بذلك قومٌ علينا واحتج بها قومٌ لنا حتى إني سمعتُ من بعض الناس في بعض البلاد يحتجون بكلامي هذا على مذهبهم الباطل بأن الله-سبحانه وتعالى-معنا في الأرض وآخرون احتجوا بهذا علينا وقالوا:هذا كلامٌ لايجوز. فلما رأينا أن هذه الكلمة أوجبت هذا الشك أو هذا الوهم رأيتُ من الواجبِ تركها لماذا؟ لأنها توهم معنىً باطلاً ولو عند بعض الناس.والإنسان يجب أن يحمي "جِناب "الربوبية من كل مايوهم معنىً فاسدًا فقررتُ في هذا الكتاب وكذلك فيما نُشر في مجلات الدعوة أن أحذف كلمة"ذاتية" وأقتصرُ على قوله حقٌ على حقيقتها التي قالها شيخُ الإسلام ابنُ تيمية وتلميذه ابنُ القيِّم لاشك أنها تدلُ على ذلك أنه معنا هو نفسه ولكنه فوق السموات ولامنافاة َبين أن نقول هو معنا هونفسه ولكنه فوق السماء لِمَا ذكرناه سابقًا من أن الله تعالى لايُقاسُ بخلقهِ ومن أن العُلو لا يُنافي المعية كما يُقال القمرُ معنا وهو في السماء. على كلِ حالٍ كلمة"ذاتية" الآن نرى أنه تجبُ إزالتها ويُقتصرُ على قول "حقٌ على حقيقتها" لئلا يتوهم واهمٌ أن قولنا هذا مايُريده أهل الحلول.والإنسان لاسيما الإنسان الذي يُعتبرُ قولُهُ ويُؤخذبه يجب عليه أن يتجنبَ كلَّ ما يمكن أن يتشبث به أهلُ الباطلِ لئلا يوقعَ الناسَ في باطلٍ فيكون كلامُهُ من المتشابه وأهلُ الزيغ يتبعون المتشابه فيأخذون به.وأهلُ الجَوْر يتبعون المتشابه من أجل القدح في قائله.فالناس قي الحقيقة إذا جاءت كلمة موهمة ينقسمون فيها إلى قسمين:قسمٌ يتخذ ُمنها مجالاً للسب والقدح وقسمٌ آخر يتخذ ُمنها مجالاً للتشبثِ بها على باطلهم الذي يريدونَهُ.لهذا رأيتُ أنه من الواجب أن نترك هذه الكلمة لئلا توهم ولو بعد أزمانٍ طويلةٍ لأن الكتب تبقى ويفنى الكاتبُ ولو بعد أزمانٍ طويلةٍ ربما يأتي واحدٌ يحتجُ يقول هذا كلامُ فلانٍ ابنِ فلان ٍيقول كذا وكذا.إذن فهذا يدلُ على أن الله تعالى معنا في الأرض.فإذا أُزيلت الكلمة الموهمة وأوتِيَ بالكلام الذي يدل عليه القرآن والسُنة زال المحذور واللهُ أعلمُ.

إلى هنا انتهى الشريط السادس

=رابط تحميل الملف السادس الصوتي  = هنا =  

رابط تحميل تفريغ الشريط السادس  = هنا  =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا =

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق